“لم نكن نتوقع أن يأتي يوم ونرى قريتنا مهجورة من السكان إلى هذا الحد” بهذه اللغة المخيبة يتحدث صالح الملاهي 40 عامًا ل” climate Yemen” واصفًا ما وصلت إليه قريته “علكمة” أعالي مديرية المحابشة محافظة حجة، بمنازلها الخاوية كمسكن للأشباح إثر هجرة معظم أهاليها نحو المدن، بعدما كانت تضج بالحياة والاستقرار.
تعد قرية “علكمة” واحدة من قرى كثيرة في محافظة حجة المتأثرة بشكل كلي من تغيرات المناخ التي عصفت بالمحافظة، إذ تقبع غالبية القرى في مناطق جبلية شاهقة، وتعتمد الزراعة سبيلًا وحيدًا للبقاء، على الرغم من شحة المياه، وصعوبة توفيره.
قرى معلقة تستوطنها الوحشة
تشهد أرياف محافظة حجة تزايدًا ملحوظًا في نسبة الهجرة نحو المدن منذ بداية الألفية، إذ صارت المدينة ملجأ غالبية أبناء الريف للهروب من عبئ الحياة في أقاصي الجبال، والبحث عن حياة آمنة ومستقرة، وبيئة مليئة بفرص العمل، وقد أدى ارتفاع درجة الحرارة، وشحة الأمطار إلى جفاف حاد عصف بالمناطق الجبلية، وأهلك المحاصيل الزراعية، وأنضب منابع المياه.
كان يقطن قرية “علكمة” أكثر من 1000 نسمة حتى ماقبل العام 2015، وبحسرة وصمت وجيز يتحدث صالح: لم نكن نتوقع أن نترك منازلنا، ومزارعنا، ونرحل هربًا من الفقر، وبؤس الحياة، ونحن نرى القرية يومًا بعد آخر تسكنها الوحشة والخوف، والناس كل يوم تغادر نحو المدن”.
بلغ إجمالي النزوح الداخلي في محافظة حجة خلال العقد الأخير أكثر من 100 ألف نسمة بحسب تقرير لمكتب الصحة والسكان بالمحافظة. تفرقت بين عديد من المدن اليمنية. حيث يرى مدير مكتب الصحة والسكان بالمحافظة د/ أحمد الكحلاني: أنّ تراجع الزراعة والجفاف الحاد الذي شهدته المحافظة إلى جانب الأزمة الاقتصادية، أثر سلبًا على حياة الناس، وأوجد فجوة لانتشار الأمراض والأوبئة؛ مما زاد من موجة النزوح، خصوصًا في المديريات الساحلية، عبس، وحيران، والتي كان أغلب سكانها يعتمدون على الزراعة وتربية المواشي.
البحث عن حياة آمنة
تصنف محافظة حجة ضمن أكثر المناطق اليمنية تأثرًا بالتغييرات المناخية، إذ أنها تمتلك كثافة سكانية عالية، وتمتلئ بالفقر والبطالة، حيث يعيش معظم سكانها في مرتفعات جبلية شاهقة، فالزراعة مهنتهم التي يعتاشون عليها منذ سنين، ووفقًا لمنظمة الهجرة العالمية، فقد انخفضت المساحات المزروعة، وتوقفت زراعة بعض الحبوب؛ بسبب قلة الأمطار والجفاف. إضافة إلى تأثير التغيرات المناخية، وانعدام سبل العيش تزامنًا مع الأزمة الإنسانية في اليمن.
وانعكس ذلك على التعليم في الأرياف، حيث عاد معظم المعلمين إلى مناطقهم؛ لانعدام سبل العيش، بعدما توقف صرف المرتبات، ما أدّى إلى إغلاق بعض المدارس، وإلغاء مراحل التعليم المتوسط والثانوي في بعضها، واضطرت بعض الأُسَر، إرسال أبنائها إلى المدن لمواصلة تعليمهم، ما ساهم بتوسيع دائرة الهجرة الداخلية.
ويتحدث يحيى محمد (55 عامًا)، من أبناء مديرية أفلح اليمن ، لـ”climate Yemen”: اضطررت لترك منزلي، والعيش في مديرية بني حشيش، التابعة لمحافظة صنعاء، بعد أن تعرضت حقولي ومزارعي لليباس والقحط، وفقدتُ مصدر دخلي الوحيد وفرصة عملي التي كنت أعيل بها أسرتي، وبقيت عاجزًا عن البقاء في القرية، ما دفعني للبحث عن عمل في المدينة، وشق طريقًا جديدًا للحياة.
كلفة الهجرة
تشير عددٌ من التقارير والدراسات، أنّ الهجرة من الريف إلى المدينة في اليمن، تسبّبت بالعديد من المشاكل الاجتماعية والبيئية، أهمّها: انخفاض فعالية وإنتاج القوى العاملة في الريف، والانحدار التدريجي للأراضي المزروعة، وتدهور المدرجات الزراعية في كثير من المناطق اليمنية، وانخفاض الإنتاج الزراعي، والاعتماد على الواردات والمساعدات الخارجية بشكل شبه كلي، بالإضافة إلى زيادة في النمو غير المتوازن للمدن.
وفي ظل تزايد الهجرة من الريف إلى المدينة أوضحت تقارير بارتفاع معدل نمو المناطق الحضرية في اليمن مؤخرًا، إلى 4.2% مقارنة بمعدل النمو السكاني الإجمالي البالغ 2.5%، الأمر الذي أدّى إلى زيادة العبء على المراكز الحضرية،إذ يؤكّد ملف التنميط الحضاري أنّ 60% من سكان الحضر في اليمن، يعيشون في مستوطنات غير رسمية، ووجود ازدحام في 20% من الوحدات السكنية المؤقتة دون المستوى المطلوب .
ويدعو مدير مكتب وزارة الزراعة في حجة حسن هزازي: الجهات الحكومية والمنظماتِ الإنسانيةَ العاملة في اليمن لمنح محافظة حجة اهتمامًا مستحقًا، واتخاذ إجراءات فورية للتصدي لظاهرة هجرة السكان نحو المدن، وتحقيق تحسين شامل في ظروف الحياة في المحافظة، لتشجيع السكان على البقاء في الأرياف؛ وذلك من خلال توفير الخدمات الأساسية، أبرزها المياه، وتحسين شبكة الطرقات، وتطوير قطاع التعليم والصحة، ودعم القطاع الزراعي والرعاية الحيوانية لتعزيز الإنتاجية وتوفير فرص اقتصادية لسكان المحافظة.
ويشدد هزازي على أهمية إيجاد أسواق محلية عامة لتسويق المنتجات المحلية والترويج لها، وتوجيه الاستثمارات نحو تحقيق التنمية المستدامة في المناطق الريفية، مع التركيز على حماية البيئة وتحسين سبل العيش.