معركة اليمن المناخية: الصندوق الأخضر للمناخ يُمهّد الطريق وسط الصراع والأزمة

طارق حسان: خبير التغير المناخي – اليمن


في بلد أنهكه أكثر من عقد من الصراع العنيف، ويعاني من واحدة من أشد الأزمات الإنسانية في العالم، يُمثل تصاعد تهديدات التغير المناخي تحديًا هائلًا. يُصنّف اليمن ضمن أكثر الدول هشاشة مناخيًا على مستوى العالم، حيث يواجه مستقبلاً تتزايد فيه موجات الجفاف القاسية، والفيضانات المدمرة، والأنماط المناخية غير المنتظمة التي تهدد بتعميق أزمات ندرة المياه، وانعدام الأمن الغذائي، والنزوح الجماعي. وفي خضم هذا المشهد المعقد والخطير، تدخل الصندوق الأخضر للمناخ (GCF)، وهو أحد الآليات الدولية الأساسية ضمن إطار الأمم المتحدة المعني بالمناخ، مركزًا جهوده الأولى على بناء أسس الصمود المناخي.

يكشف تقييم تدخلات الصندوق الأخضر للمناخ أن محفظته في اليمن تركز بشكل رئيسي على دعم الجاهزية والتخطيط، بما يعكس التحديات الهائلة للعمل في بيئة هشة كاليمن. فحتى أوائل عام 2025، التزم الصندوق بما يقارب 6.4 مليون دولار أمريكي موزعة على ستة مشاريع جاهزية، مع التركيز على بناء القدرات المؤسسية وإعداد أطر التخطيط الاستراتيجي قبل الشروع في مشاريع تنفيذية واسعة النطاق. ويُعد هذا العمل التأسيسي ضروريًا في بلد أضعفت فيه الحرب المؤسسات الحكومية، وأعاقت قدرته على التكيّف مع الصدمات المناخية.

إن التداخل بين الصراع، والهشاشة المناخية، والاحتياجات الإنسانية يُشكل بيئة شديدة التعقيد. ملايين اليمنيين يعيشون كنازحين داخليًا، ويعتمدون على المساعدات الإنسانية الطارئة، ويعانون من نقص حاد في الغذاء والماء، يصل إلى مستويات المجاعة في بعض المناطق. في ظل انهيار الخدمات الأساسية واقتصاد شبه مشلول، يفاقم التغير المناخي الأوضاع من خلال الجفاف المتزايد الذي يُصيب الزراعة، والفيضانات العنيفة التي تدمر البنية التحتية الهشة، وارتفاع مستوى سطح البحر الذي يهدد المجتمعات الساحلية، وزيادة في الآفات والأمراض. ويُحذر الخبراء من أن التغير المناخي يعمل كمُضاعف للتهديدات، حيث يُسهم في تأجيج الصراع والمعاناة الإنسانية، خصوصًا مع اشتداد التنافس على الموارد المتناقصة مثل المياه.

واستجابةً لهذه الواقع المرير، تهدف مبادرات الجاهزية التي يدعمها الصندوق إلى تزويد اليمن بالأدوات التي تمكّنه من مواجهة التحديات المناخية بفعالية مستقبلًا. وقد خُصص جزء كبير من التمويل لتعزيز قدرات الجهة الوطنية المعنية (NDA)، والمتمثلة في وزارة المياه والبيئة، لتمكينها من تنسيق العمل المناخي وإدارة التمويل المخصص له. كما يدعم الصندوق إعداد استراتيجيات وطنية مهمة مثل خطة التكيف الوطنية (NAP)، واستراتيجية التنمية منخفضة الانبعاثات طويلة الأجل (LT-LEDS)، وتحديثات المساهمات المحددة وطنيًا (NDC) بموجب اتفاق باريس. ويمتد الدعم كذلك إلى بناء القدرات على المستوى المحلي، كما هو الحال في مشروع التكيّف مع المياه في دلتا تبن المعرضة للخطر.

ويركز هذا الاستثمار الأولي بشكل أساسي على رفع الجاهزية – أي تعزيز قدرة اليمن على التنبؤ بالمخاطر والتخطيط لها وإدارتها. وتُعتبر خطة التكيف الوطنية محورًا أساسيًا في هذا السياق، حيث تهدف إلى إنشاء نظام منسق لتقييم المخاطر المناخية، وتحديد أولويات التكيف، وبناء التنسيق المؤسسي. ورغم أن التدخلات الميدانية المباشرة مثل أنظمة الإنذار المبكر أو البنية التحتية المقاومة للمناخ ليست ضمن أولويات هذه المرحلة، إلا أن المشاريع الحالية تُمهّد الطريق لتلك الإجراءات المستقبلية من خلال بناء بيئة تمكينية أساسية للتخطيط والتنفيذ والتمويل. ومن الإشارات الإيجابية إدراج تحليل لحساسية النزاع ضمن خطة التكيف الوطنية، ما يعكس وعيًا بأهمية مواءمة العمل المناخي مع واقع اليمن المتأثر بالنزاع.

ومع ذلك، فإن تقييم جدوى هذا الدعم من الصندوق الأخضر للمناخ يتطلب الاعتراف بوجود تحديات ومحددات كبيرة. فتمويل الجاهزية يظل محدودًا مقارنة بالاحتياجات الضخمة للتكيّف في اليمن، كما أن تأثيره المباشر على الأرض سيستغرق وقتًا ويعتمد إلى حد كبير على تأمين تمويل أكبر لاحقًا لمشاريع التنفيذ. وتُعد بيئة العمل الصعبة – بما في ذلك انعدام الاستقرار، وصعوبات الوصول، وضعف الحوكمة، والمخاطر الأمنية – عقبات خطيرة أمام تنفيذ المشاريع واستدامتها. كما تثار تساؤلات حول مدى ضمان الملكية المحلية الحقيقية وبناء القدرات الوطنية، في ظل الاعتماد الكبير على الاستشاريين الدوليين، إلى جانب التحديات الناتجة عن الانقسام السياسي الذي يُعقّد التنسيق الوطني.

وبالنظر إلى المستقبل، تُشير التوصيات الناتجة عن التحليل إلى الحاجة لاتباع نهج متعدد الجوانب. فإلى جانب الاستمرار في العمل التأسيسي المهم، ينبغي إطلاق مشاريع تجريبية ملموسة تُظهر فوائد الصمود المناخي. كما أن تعميق تحليل حساسية النزاع، ودمج المعرفة المحلية، وتعزيز التنسيق بين الجهات الإنسانية والإنمائية وبناء السلام، يُعد أمرًا بالغ الأهمية. ولا بد من إعطاء أولوية لبناء القدرات المحلية المستدامة، وتبني أساليب مرنة في إدارة المشاريع تُراعي تقلبات السياق المحلي. وفي نهاية المطاف، سيكون من الضروري الدفع نحو تمويل أكبر وأكثر ملاءمة لواقع اليمن، يتجاوز حدود دعم الجاهزية.

وفي الختام، يُمثل دعم الجاهزية الذي يقدمه الصندوق الأخضر للمناخ خطوة أولى ضرورية واستراتيجية لمواجهة الهشاشة المناخية في اليمن. فمن خلال معالجة الثغرات المؤسسية والتخطيطية الحرجة، يُمهد هذا الدعم لعمل مناخي أكثر فاعلية في بيئة استثنائية التحدي. لكن النجاح الحقيقي لهذا الاستثمار سيتوقف على القدرة على تجاوز عقبات التنفيذ، والتحول من التخطيط إلى العمل الملموس واسع النطاق، بما يعزز الصمود الحقيقي للشعب اليمني.